محمد ابراهيم البادي
03-10-2010, 01:32 PM
محل استعمال الدية
* د. محمد فاروق النبهان
قسّم فقهاء الشريعة الجناية على النفس إلى أقسام مختلفة من حيث العمد والخطأ، وقد اختلفوا في هذه التقسيمات، فمنهم مَن قسّم القتل إلى عدوان وغير عدوان، ومنهم مّن قسّمه إلى عمد وشبه عمد وخطأ، ومنهم مَن زاد على هذا التقسيم، القتل الذي يلحق بالخطأ ويجري مجراه، والقتل بالتسبب.
ومهما كانت هذه التقسيمات فإن من المتفق عليه أن الجريمة التي يستحق فاعلها القصاص هي الجريمة العمدية العدوانية مع اختلاف في طبيعة هذه الجريمة فمن الفقهاء مَن يتشدد في شروطها ومنهم مَن يكتفي بشرط العدوان.
وعلى ذلك نستطيع أن نقسم الجناية من حيث وجوب القصاص وعدمه إلى قسمين:
أولاً ـ الجناية العمدية: وهي الجناية التي قصد بها القاتل إزهاق روح المجني عليه عن طريق استعماله الآلة التي تؤدي إلى القتل غالباً، أو عن أي طريق آخر يؤدي إلى القتل غالباً، وقد اشترط أبو حنيفة في هذه الجناية أن تكون الآلة التي تم بها القتل معدة للقتل أصلاً، كالسيف، والخنجر، ولم يشترط الإمام مالك وجود الآلة القاتلة واكتفى بشرط العدوان ولذلك قسّم الجريمة إلى عمد وخطأ، ولم يقل بجريمة شبه العمد لأن فيصل التفرقة بين العمد وشبه العمد هو الآلة التي استعملت في الجريمة.
ويجب القصاص كعقوبة أصلية في الجناية العمدية، ولا تجب الدية في هذه الجريمة إلا عند سقوط القصاص أو امتناعه لأي سبب من الأسباب وعندئذٍ تجب الدية كعقوبة بدلية تحل محل القصاص.
ثانياً ـ الجناية غير العمدية: وتشمل هذه الجناية كل أنواع الجنايات التي لا تدخل ضمن النوع الأول، وهي: جناية شبه العمد، وجناية الخطأ، وجناية ما يجري مجرى الخطأ، والجناية بالتسبب. وهذه الأنواع المختلفة لا يجب فيها القصاص لعدم توافر شروط القصاص وهو القصد الجنائي بغرض تحقيق الجريمة.
فجناية شبه العمد هي الجناية التي توافر فيها شرط العمد، وتتم بالوسيلة التي لا تقتل غالباً، فلو ضرب الجاني المجني عليه بحجر صغير غير قاتل، فأدى هذا إلى موت المجني عليه، فالجريمة شبه عمد، بالرغم من توفر صفة العمد فيها، ولكن استعمال الوسيلة التي لا تتل غالباً دليل على عدم القصد في إزهاق الروح.
ولا يتصور وجود شبه العمد في غير جريمة القتل، لأن الجروح عادة لا تختص بآلة دون آلة، وربما تحصل بأية آلة صغيرة أو كبيرة، حادة أو غير حادة. بخلاف القتل فلا يتم عادة إلا في الآلة القاتلة.
والنوع الثاني من أنواع الجناية غير العمدية هو جريمة الخطأ، وإذا كانت صفة العمد متوفرة في جريمة شبه العمد فهي غير متوفرة في (جريمة الخطأ)، لأن جريمة الخطأ هي الجريمة التي تتم عن طريق الخطأ الذي يرتكبه الجاني، سواء كان هذا الخطأ نتيجة خطأ في قصد الجاني، أو في فعله، فالخطأ في القصد: هو أن يرمي الجاني شخصاً ويظنه صيداً، أما الخطأ في الفعل: فهو أن يرمي الجاني صيداً فيصيب إنساناً.
والنوع الثالث الجناية التي تجري مجرى الخطأ، كالنائم الذي ينقلب على شخص فيقتله، وهذه الجناية لا تدخل ضمن جريمة الخطأ، ولكنها تجري مجراها.
وهناك النوع الأخير وهو الجناية عن طريق التسبب كالشخص الذي يحفر بئراً في الطريق العام فيقع فيها انسان فيموت، بخلاف ما إذا حفر انسان بئراً في أرضه الخاصة فلا يعتبر مسؤولاً عما يترتب على حفرها، لأن صاحب الملك مأذون في أن يحفر في ملكه.
ولا يجب القصاص في جميع أنواع الجناية غير العمدية، لعدم توافر ركن الجريمة العمدية، وهو قصد إزهاق روح المجني عليه.
ولذلك تجب الدية في جميع هذه الأنواع، وتعتبر الدية هي العقوبة الأصلية في الجرائم غير العمدية.
غير إننا نلاحظ أن هذه الأنواع المختلفة ليست في درجة واحدة من القوة والجسامة، كما إن دور الجاني ليس واحداً، فجريمة شبه العمد جريمة كاملة توافر فيها القصد الجنائي، ولا تختلف عن الجريمة العمدية إلا في الآلة المستعملة التي تعتبر قرينة على عدم نية الجاني في إزهاق روح المجني عليه، وشرط العدوان متوافر في جريمة شبه العمد كما هو متوافر في الجريمة العمدية، وهذا الشرط غير متوافر في جريمة الخطأ وما يلحق بها، ولذلك كانت الدية غير متساوية في كل من جريمة شبه العمد وجرائم الخطأ.
وتنقسم الجناية غير العمدية إلى قسمين:
أ) جناية شبه العمد: وتجب فيها الدية المغلظة.
ب) جناية الخطأ وما يلحق به: وتجب فيها الدية المخففة.
ونخلص من هذا إلى أن الدية تجب في حالتين:
الحالة الأولى: في حالة القتل العمد الذي يستوجب القصاص، وتجب الدية عندما يمتنع القصاص لأي سبب من الأسباب.
الحالة الثانية: في حالة الجرائم غير العمدية التي لا تستوجب القصاص أصلاً، وتجب الدية في هذه الأحوال كعقوبة أصلية، وتختلف كيفيتها بحسب طبيعة الجريمة.
* د. محمد فاروق النبهان
قسّم فقهاء الشريعة الجناية على النفس إلى أقسام مختلفة من حيث العمد والخطأ، وقد اختلفوا في هذه التقسيمات، فمنهم مَن قسّم القتل إلى عدوان وغير عدوان، ومنهم مّن قسّمه إلى عمد وشبه عمد وخطأ، ومنهم مَن زاد على هذا التقسيم، القتل الذي يلحق بالخطأ ويجري مجراه، والقتل بالتسبب.
ومهما كانت هذه التقسيمات فإن من المتفق عليه أن الجريمة التي يستحق فاعلها القصاص هي الجريمة العمدية العدوانية مع اختلاف في طبيعة هذه الجريمة فمن الفقهاء مَن يتشدد في شروطها ومنهم مَن يكتفي بشرط العدوان.
وعلى ذلك نستطيع أن نقسم الجناية من حيث وجوب القصاص وعدمه إلى قسمين:
أولاً ـ الجناية العمدية: وهي الجناية التي قصد بها القاتل إزهاق روح المجني عليه عن طريق استعماله الآلة التي تؤدي إلى القتل غالباً، أو عن أي طريق آخر يؤدي إلى القتل غالباً، وقد اشترط أبو حنيفة في هذه الجناية أن تكون الآلة التي تم بها القتل معدة للقتل أصلاً، كالسيف، والخنجر، ولم يشترط الإمام مالك وجود الآلة القاتلة واكتفى بشرط العدوان ولذلك قسّم الجريمة إلى عمد وخطأ، ولم يقل بجريمة شبه العمد لأن فيصل التفرقة بين العمد وشبه العمد هو الآلة التي استعملت في الجريمة.
ويجب القصاص كعقوبة أصلية في الجناية العمدية، ولا تجب الدية في هذه الجريمة إلا عند سقوط القصاص أو امتناعه لأي سبب من الأسباب وعندئذٍ تجب الدية كعقوبة بدلية تحل محل القصاص.
ثانياً ـ الجناية غير العمدية: وتشمل هذه الجناية كل أنواع الجنايات التي لا تدخل ضمن النوع الأول، وهي: جناية شبه العمد، وجناية الخطأ، وجناية ما يجري مجرى الخطأ، والجناية بالتسبب. وهذه الأنواع المختلفة لا يجب فيها القصاص لعدم توافر شروط القصاص وهو القصد الجنائي بغرض تحقيق الجريمة.
فجناية شبه العمد هي الجناية التي توافر فيها شرط العمد، وتتم بالوسيلة التي لا تقتل غالباً، فلو ضرب الجاني المجني عليه بحجر صغير غير قاتل، فأدى هذا إلى موت المجني عليه، فالجريمة شبه عمد، بالرغم من توفر صفة العمد فيها، ولكن استعمال الوسيلة التي لا تتل غالباً دليل على عدم القصد في إزهاق الروح.
ولا يتصور وجود شبه العمد في غير جريمة القتل، لأن الجروح عادة لا تختص بآلة دون آلة، وربما تحصل بأية آلة صغيرة أو كبيرة، حادة أو غير حادة. بخلاف القتل فلا يتم عادة إلا في الآلة القاتلة.
والنوع الثاني من أنواع الجناية غير العمدية هو جريمة الخطأ، وإذا كانت صفة العمد متوفرة في جريمة شبه العمد فهي غير متوفرة في (جريمة الخطأ)، لأن جريمة الخطأ هي الجريمة التي تتم عن طريق الخطأ الذي يرتكبه الجاني، سواء كان هذا الخطأ نتيجة خطأ في قصد الجاني، أو في فعله، فالخطأ في القصد: هو أن يرمي الجاني شخصاً ويظنه صيداً، أما الخطأ في الفعل: فهو أن يرمي الجاني صيداً فيصيب إنساناً.
والنوع الثالث الجناية التي تجري مجرى الخطأ، كالنائم الذي ينقلب على شخص فيقتله، وهذه الجناية لا تدخل ضمن جريمة الخطأ، ولكنها تجري مجراها.
وهناك النوع الأخير وهو الجناية عن طريق التسبب كالشخص الذي يحفر بئراً في الطريق العام فيقع فيها انسان فيموت، بخلاف ما إذا حفر انسان بئراً في أرضه الخاصة فلا يعتبر مسؤولاً عما يترتب على حفرها، لأن صاحب الملك مأذون في أن يحفر في ملكه.
ولا يجب القصاص في جميع أنواع الجناية غير العمدية، لعدم توافر ركن الجريمة العمدية، وهو قصد إزهاق روح المجني عليه.
ولذلك تجب الدية في جميع هذه الأنواع، وتعتبر الدية هي العقوبة الأصلية في الجرائم غير العمدية.
غير إننا نلاحظ أن هذه الأنواع المختلفة ليست في درجة واحدة من القوة والجسامة، كما إن دور الجاني ليس واحداً، فجريمة شبه العمد جريمة كاملة توافر فيها القصد الجنائي، ولا تختلف عن الجريمة العمدية إلا في الآلة المستعملة التي تعتبر قرينة على عدم نية الجاني في إزهاق روح المجني عليه، وشرط العدوان متوافر في جريمة شبه العمد كما هو متوافر في الجريمة العمدية، وهذا الشرط غير متوافر في جريمة الخطأ وما يلحق بها، ولذلك كانت الدية غير متساوية في كل من جريمة شبه العمد وجرائم الخطأ.
وتنقسم الجناية غير العمدية إلى قسمين:
أ) جناية شبه العمد: وتجب فيها الدية المغلظة.
ب) جناية الخطأ وما يلحق به: وتجب فيها الدية المخففة.
ونخلص من هذا إلى أن الدية تجب في حالتين:
الحالة الأولى: في حالة القتل العمد الذي يستوجب القصاص، وتجب الدية عندما يمتنع القصاص لأي سبب من الأسباب.
الحالة الثانية: في حالة الجرائم غير العمدية التي لا تستوجب القصاص أصلاً، وتجب الدية في هذه الأحوال كعقوبة أصلية، وتختلف كيفيتها بحسب طبيعة الجريمة.